حنان فكرى تكتب: فى ذكراه السادسة .. البابا شنودة زعيم فى المنفى

حنان فكرى

بالأمس كانت الذكرى السادسة لرحيل البابا شنودة الثالث ،مُثلث الرحمات، دفعنى طوفان الذكريات للعبث فى مقاطع الفيديو التى تعود لتاريخ الخلاف بين البابا والسادات، فهو الفصل الأبرز فى حياة بابا العرب، شاهدت مقطع الفيديو، لأجد السادات واقفاً أمام البرلمان يعلن قراراته «السبتمبرية» الغاضبة فى 8 بنود، يخصنا فيها الآن البند الثامن الذى قال فيه: «إلغاء قرار رئيس الجمهورية 2782 لسنة 81 بتعيين البابا شنودة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية،"" لم يكمل تلاوة قراره حتى وقف أعضاء البرلمان فى حالة تصفيق حار، وكانهم يعلمون مسبقاً القرار، أو ان بعضهم دفع السادات او اتفق معه عليه، والعجيب انه البند الوحيد ضمن قرارات سبتمبر 1981، الذى حصل على تصفيق حاد من نواب البرلمان وقتها، وظهرت الكراهية الراسخة فى مجتمعنا؟.
ورغم ما لمحته من تعصب وكراهية فى نوبة التصفيق التى اعقبت قرار العزل، الا اننى تساءلت، الم يكن فى البرلمان نواب أقباط حينها؟ بالعودة الى ما كتبه الزميل محمد الدسوقى رشدى تحت عنوان "الاسرار الحرام" نجد انه قال :"النواب الأقباط فى البرلمان كان عددهم حينذاك 21، ربما ايدوا ما حدث سعيا لإرضاء السادات على حساب البابا، لكن كل الشواهد التاريخية تؤكد ان النواب الاقابط اجتمعوا قبل هذا القرار بشهور مع الرئيس السادات، كما هو مثبت تاريخيًا فى 24 ديسمبر 1980 بمناسبة الاحتفال بعيد ميلاده، وحضر الاجتماع عثمان أحمد عثمان، وكان الاجتماع داخل غرفة مُعلق على حائط بها صورة لمطران المنوفية، الأنبا شنودة، ونظر السادات للصورة وقال: «الولد ده كنت باحبه ولكن دلوقتى لأ»، وهاجم البابا شنودة دون أن يذكر اسمه، فقالت له إحدى الحاضرات: «يا ريس، إذا كنت عملت مبادرة مع إسرائيل، ماتقدرش تعمل مبادرة مع الكنيسة؟»
لم يكن السادات يريد المبادرة اساساً لانه استقر فى قلبه ان البابا شنودة يريد ان يكون زعيماً سياسياً، وليس قائداً روحياً، لدرجة أنه قال وقتها: «أنا عايز أعرف هو أنا اللى باحكم البلد، ولا شنودة». حينها لم يكن فى ذهن الرئيس الا الاحتقان والتخوف من زعامة سياسية لقيادة كنسية، فقرر ان يضع الزعيم فى المنفى، ويرجع البعض ذلك لرواية تم تداولها انذاك نقلاً عن الأنبا اغريغوريوس، أسقف البحث العلمى بالكنيسة الأرثوذكسية، جاء فيها انه:" سبق عزل البابا شنودة وصول رسالة الى وزير الداخلية من أحد المديرين التابعين لوزارة الأوقاف فى مدينة الإسكندرية،حيث أرسل تقريرًا وكتب عليه: «عاجل وسرى جدًا»، قال فيه: إن البابا عقد اجتماعًا على نطاق ضيق مع عدد من الشخصيات القبطية العامة، وتحدث فى أمور سياسية، وعن أوضاع الأقباط، وأنهى مدير الأوقاف تقريره بعبارة: «اصحوا يا مسلمين.. انتبهوا يا مسلمين"، انها ليست جاسوسية دينية فقط ولكنها ايضا رسائل غبية، فمن الطبيعى ان بابا الأقباط يتشاور فى أوضاعهم، وانتشر هذا التقرير بسرعة فى المساجد، وتوالت الأحداث الطائفية.وبدلاً من معاقبة الجناة عوقب البابا شنودة،فخرج السادات ليقول فى قرار العزل :"على الاساقفة الذين تولوا بدلا من البابا شنودة، معالجة الشعور القبطى فى الداخل والخارج، وكسر روح التعصب والحقد، فى إشارة لأن البابا شنودة يبث روح التعصب، لكن التاريخ اثبت ان ذلك الذى كان متهماً بالزعامة السياسية، المنفى فى جوف الصحراء،  حول وحشة المنفى لأديرة عامرة فى الداخل، ومئات الكنائس المشيدة فى المهجر، وغير شوكة الاضطهاد الى بركة المُثابرة، ولعنة الكراهية الى نعمة التسامح.هذه هى الزعامة التى تعرفها المسيحية.